ما أعظم الصلاة ، وما أعظم شأنها، يقول الشاب ذو الـــ 19 عاما: كنت شاباً أظن أن الحياة مال وفير وفراش وثير، ومركب
وطيء ، وكان يوم جمعة ، جلست مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطئ ، وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة ، سمعت النداء حي على الصلاة .. حي على الفلاح .
أقسم أني سمعت الأذان طوال حياتي ، ولكني لم أفقه يوماً معنى كلمة فلاح طبع، الشيطان على قلبي، حتى صارت كلمات الأذان كأنها تقال بلغة لا أفهمها . كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم ويجتمعون للصلاة ، ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء . استعداداً لرحلة تحت الماء.
لبسنا عدة الغوص ، ودخلنا البحر، بعدنا عن الشاطئ ، حتى صرنا في بطن البحر ، كان كل شيء على ما يرام ، الرحلة جميلة ...
وفي غمرة المتعة !! فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم ، ولتمده بالهواء من الأنبوب ، وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي ، وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي، وبدأت أموت ، بدأت رئتي تستغيث وتنتفض، تريد هواء ، أي هواء ...
أخذت اضطرب ، البحر مظلم ، رفاقي بعيدون عني ، بدأت أدرك خطورة الموقف ، إنني أموت، بدأت أشهق ، وأشرب الماء المالح، بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيني ، مع أول شهقة ، عرفت كم أنا ضعيف، بضع قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو القوي الجبار ، آمنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء ، إلا أني كنت على عمق كبير ، ليست المشكلة أن أموت ، المشكلة كيف سألقى الله ؟!
إذا سألني عن عملي ،ماذا سأقول ؟...
أول ما أحاسب عنه ، الصلاة ... وقد ضيعتها ، تذكرت الشهادتين ، فأردت أن يختم لي بهما ، فقلت أشهـ ... فغصَّ حلقي ، وكأن يداً خفية تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها حاولت جاهداً ، أشهـ ... أشهـ ... بدأ قلبي يصرخ : ربي ارجعون ، ربي ارجعون، ساعة ، دقيقة ، لحظة ، ولكن هيهات...
بدأت أفقد الشعور بكل شيء ، أحاطت بي ظلمة غريبة ، هذا آخر ما أتذكر ، لكن رحمة ربي كانت أوسع ، فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى انقشعت الظلمة ، فتحت عيني ، فإذ أحد الأصحاب ، يثبت خرطوم الهواء في فمي ، ويحاول إنعاشي ، ونحن مازلنا في بطن البحر ، رأيت ابتسامة على محياه ، فهمت منها أنني بخير ، عندها صاح قلبي ، ولساني ، وكل خلية في جسدي...
أشهد أن لا إله إلا الله ... وأشهد أن محمد رسول الله ...
الحمد لله ، خرجت من الماء ، وأنا شخص أخر ، تغيرت نظرتي للحياة ، أصبحت الأيام تزيدني من الله قرباً ، أدركت سرَّ وجودي في الحياة ، تذكرت قول الله:
( إلا ليعبدون ) صحيح ، ما خلقنا عبثاً . مرت أيام ، فتذكرت تلك الحادثة ، فذهبت إلى البحر ، ولبست لباس الغوص ، ثم أقبلت إلى الماء، وحدي وتوجهت إلى المكان نفسه في بطن البحر، وسجدت لله تعالى سجدة ما أذكر أني سجدت مثلها في حياتي ، في مكان لا أظن أن إنساناً قبلي قد سجد فيه لله تعالى ، عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في عمق البحر.