الكوميديا الإلهية ل « دانتي اليجيري »

لقد اراد دانتي في
الكوميديا الالهية ان يقيم عالما جديدا اساسه العدل و الحرية و النظام و
الوحدة, عاش دانتي في النصف الثاني من القرن الثالث عشر و الربع الاول من
القرن الرابع عشر وهي فترة ظهور النظريات اليوتوبية في مختلف البلدان
الاوروبية ففي

ايطاليا مثلاً ارتبط الدين بالسياسة حيث وجدت ظروف سيئة اضطرت معها
الباباوية الى استخدام الجند و اللعب بالاوراق السياسية فخرجت بذلك عن
واجباتها الدينية وانغمست في الحياة الدنيا وهذا الامر اثار سخطاً في نفوس
المخلصين للدين وادى الى اهتزاز مركز الكنيسة في المجتمع الايطالي . من
الناحية العقلية: فقد كان الاوروبيون الذين عاشوا في القرون الوسطى يقدمون
الايمان على العقل و النقل على العقل ولكن وجد عدد من محبي المعرفة والعلم
بدؤوا يبحثون و يمحصون حتى في تعاليم الكنيسة فيظهر القديس اوغسطين مثلا
ولكن مع بداية القرن الثاني عشر بدأ الفكر الديني يتغير و يتشكل نتيجة
للحياة الهادئة والاستقرار النسبي و التطور الطبيعي وبدأ تأثير الفلسفة
اليونانية يظهر على الرغم من معارضة الكنيسة له ولقد ساهم العلماء و
الفلاسفة العرب و السريان واليهود في عملية تقريب هذه الفلسفة عن طريق
الترجمة كما ذكرنا سابقا. ويعتبر القرن الثالث عشر عصر العلم ودائرة
المعارف فالغزالي مثلا : نادى بالتصوف والايمان وابن رشد نادى بالعقل
والمنطق في سبيل الوصول الى الله وظهرت نزعة ثالثة للتوفيق بين الموقفين
العقلي و الديني وانتشرت كل هذه الاراء في الجامعات الاوروبية في فرنسا
واسبانيا وغيرها . من الناحية الروحية والنفسية : اعتبر اهل العصور الوسطى
الحياة على الارض حياة مؤقتة عديمة الاهمية ومرحلة لحياة اخرى سعيدة وكانت
تنقصهم الشجاعة و الثقة القائمة على الادراك الصحيح لذلك خضعوا للخرافات
ولذلك ايضا اعتبروا الحياة من الاسرار الالهية التي لايجوز الكشف عنها ولم
يسخروا العلم في سبيل الحياة المادية حتى جاءت جماعة من محبي المتعة
والباحثين عنها في الحياة الدنيا فحملوا على تعاليم الكنيسة وكونوا بذرة
لحرية الفكر في العصور اللاحقة. ولد دانتي في فلورنسا عام 1265 توفيت امه
في سن مبكرة فتزوج ابوه امرأة اخرى ولم يولِ ابنه العناية الكافية. درس في
البداية تعاليم ( توما الاكويني ) ودرس ايضا الطب و الموسيقى والقانون و
النحت والفلسفة والكيمياء والسياسة والتاريخ واللاهوت ودرس ايضا تراث
اليونان القدماء واللاتين وغير ذلك هذا يعني انه كان رجلا واسع الثقافة
متقنا كل فنون الادب الشعرية والنثرية اضافة الى كونه فارسا شارك في
المعارك ببسالة هيأته لدخول الوظائف الحكومية فعين عضوا في عدد من المجالس
وارسل ضمن اكثر من وفد من هذه الوفود الذي قابل البابا في روما لاصلاح
العلاقة بين روما وفلورنسا بلد دانتي ولكن الوفد اخفق في مهمته وسجن دانتي
فترة واحتلت روما فلورنسا ومنع من دخولها بعد ان صودرت املاكه وصدر امر
باحراقه حيا اذا القي القبض عليه مجددا فهرب وتنقل في اماكن عدة ورغم ذلك
قُدِّمَ له عرض بالعودة الى بلده والعفو عنه اذا هو اعترف بخطأه واعلن
ندمه فتابع حياة التشرد ولم يحظ بمكانته اللائقة و احترام اهل بلده الا
بعد وفاته بفترة طويلة حيث ارادت فلورنسا التكفير عن خطأها بحقه فكلفت
ابنه بتدريس الكوميديا للجمهور فاشتهرت وذاع صيتها ؟ اذا حاولنا تحليل
شخصية هذا الكاتب فاننا سنجد انساناً متعدد المواهب يجمع بين المتناقضات
بكثير من الاحيان يتأثر بالحياة وهو زاهد فيها, يبدو خجلا صامتا وفي نفس
الوقت شجاعا جريئا مسيحيا مؤمنا احيانا واحيانا اخرى وثنيا , والانثى عنده
نصف اله تقوده الى الفضيلة وهي ايضا صخرة اذلت كبرياءه وتقوده الى
الشيطان. لقد كانت في دانتي تناقضات كثيرة وقد استطاع الافادة من هذا
التنوع في احاسيسه فكان كل ذلك تربة خصبة انجبت الكوميديا عندما اخذ يكتب
الكوميديا احس بتفاوت كبير بين عبقريته وحياته الواقعية ومدح نفسه كثيرا
وكان يرى ان اسلوبه يضعه ضمن مصاف الشعراء الكبار امثال هوميروس وفرجيل
وغيرهما ونعت الكوميديا بالمقدسة او الالهية وسمى نفسه حملا بين الثعالب
وكان يحس نفسه اعلى من الملوك الذين عجزوا عن اداء واجبهم وكان ساخطا على
مجتمعه لانه يراه مليئا بالاخطاء واعتبر اغلب الرجال متغيرين اشبه بالموتى
وكان المبشرون والوعاظ كالحيوانات ورجال الدين يملؤون بطونهم حتى البابا
كان مرتشياً وكان خارجاً على تعاليم الكنيسة. بعبارة اخرى لم يكن يرضيه اي
شيء في زمانه ولكن تشاؤمه هذا شكل لديه حافزا على الاصلاح والتغيير وهو
سيحاول الاصلاح بواسطة الفن والشعر العظيم وكان حب الانتقام لديه عنصرا
بارزا في شخصيته وان لم يكن قد انتقم من اي شيء في حياته الواقعية الا انه
كان يتحدث في الجحيم عن الانتقام الالهي , وفي المطهر جعل المرأة الثكلى
تطلب الانتقام من قاتل ابنها قبل ان تطلب العدالة . وفي الفردوس يتحدث عن
عدالة الانتقام حتى وصل في حديثه الى الاله ذاته الاله الذي يغضب من خطايا
البشر فيسلط عليهم عذابه انتقاما منهم. والكوميديا هي انتقام مثالي قدمه
الفنان لنفسه ولكل الناس . لقد احب دانتي فلورنسا وايطاليا لكنه كره
السلبيات التي كانت موجودة فلم يستطع السكوت عن معاناة شعبه وقد توفرت فيه
روح السخرية والتهكم فامتلأت الكوميديا بهذه المواقف
التي صاغها الشاعر حتى في لحظات الاسى والحزن فهو يسخر في الجحيم من
فلورنسا ومن الشياطين ومن المعذبين الهالكين وفي المطهر سخر من الجشعين
وبعث الضحك في ارواح الاثمين وفي الفردوس سخر من الارض. بدأ دانتي كتابة
الكوميديا في فلورنسا وانهى الجزء الاول منها في عام 1314 بسنتين انهى
الجزء الثاني وهو المطهر . اما لفظة الكوميديا فهي من اليونانية القديمة
وهي تعني اغنية تغنى باللهجة العامية ويقول دانتي : ان لقصيدته عدة معان :
- المعنى اللفظي وهو حال الروح بعد الموت . - المعنى الرمزي : وموضوعه
الانسان وما يناله من جزاء على ما فعل . - والمعنى الصوفي: وموضعه الخروج
بالناس من الحياة الدنيا بكل ما فيها من شقاء وتعاسة وقيادتهم الى طريق
الخلاص الى الحياة الاخرة. وينتظم الكوميديا الرقم ثلاثة فهي تقسم الى
ثلاثة اناشيد: الجحيم و المطهر و الفردوس . ويقسم الجحيم بدوره الى مدخل
وتسع حلقات . اما المطهر فيقسم الى تسعة افاريز. ويقسم الفردوس الى تسع
سماوات وسماء السماوات. ,كل نشيد يتكون من ثلاثين انشودة يضاف اليها مدخل
الجحيم وابياتها ثلاثية. اما اناشيدها فهي متقاربة الطول وهي بمجملها رحلة
خيالية الى العالم الاخر استغرقت سبعة ايام يمثل الجحيم الشباب بكل مافيه
من عنفوان ونزوع لتحقيق الرغبات والغرائز ويمثل المطهر مرحلة النضج
والتطهر والامل . ويصور الفردوس الكهولة والطهارة والصفاء والحرية
والخلاص. والكوميديا تشكل مرآة الحياة وهي فن رفيع يهدف الى تغيير الانسان
واصلاح المجتمع وقد قصد دانتي منها بداية لعصر جديد وربما كان يطمح لكتابة
كتاب مقدس جديد يهدي بواسطته البشر الى الطريق القويم. ولقد ادرك ان
الوسيلة الحقيقية لتغيير المجتمع واصلاحه هي تغيير روح الانسان في باطنه
ووجد ان الإنسان يملك حواس تحدد فهمه وحركته ومواقفه من الحياة فلدى
الإنسان خوف ورغبة , حب وكراهية أمل ويأس لذلك ينبغي تصور الحياة اثناء
محاولة اصلاح هذا الانسان وايضاح خفايا النفس ونشر العلم والمعرفة. لقد
جعل دانتي في الكوميديا الإنسان والدنيا والاخرة والعالم والاله في بؤرة
واحدة ووضع في اطارها كل المعارف والجزئيات الدقيقة المادية والمعنوية وقد
استمد شاعرنا كل ذلك من الاساطير والفلسفات القديمة ومن تراث الديانات
السماوية وغير السماوية. ولقد الغى في عمله هذا فوارق الزمان والمكان ومزج
بين الاسطورة والتاريخ الحقيقي وبين الواقع والخيال ونقل للقارئ باحساس
الفنان صورا متنوعة للحياة الواقعية فيها السهل والجبل والصحراء والغابة
والجدول والنهر. الشروق والغروب النجوم والحيوان والنبات , رسم كل مايتعلق
بالإنسان من الداخل والخارج وصور كل المتناقضات وقدم كل ذلك باسلوب موجز
مكثف حتى تحس وانت تقرأ الكوميديا انه يحدثك حديثا دافئا ولقد اعتبرت
الكوميديا الالهية بداية لعصر جديد لان مبدعها خرج فيها على الكثير من
تقاليد العصور الوسطى . من امثلة ذلك انه ادخل البابا الى الجحيم مع انه
مقدس لدى المسيحيين فقط لأنه هدد مصالح فلورنسا وجعل بعض الهراطقة في
الفردوس لانهم ماتوا في سبيل الدفاع عن ارائهم. قلنا ان الجحيم يتألف من
عدد من الحلقات : الحلقة الاولى: وهي مقر عظماء العالم القديم الذين ماتوا
قبل ظهور المسيحية ومقر من ماتوا دون ان ينالوا التعميد المسيحي وعذابهم
ان يعيشوا تحدوهم الرغبة في الخلاص دون ان يكون هناك مجال للحصول عليه. في
هذه الحلقة هوميروس و أوراس و أوفيديوس وفلاسفة العالم القديم سقراط-
افلاطون - بطليموس - وفيها ايضا ابن سينا وابن رشد. الحلقة الثانية : وهي
بداية الجحيم الحقيقي وضع فيها دانتي الآثمين الذين غلبوا العاطفة على
العقل في الحياة الدنيا وعذابهم ان تدور بهم عاصفة هوجاء دون أمل في راحة
او في ان تخفف عنهم حدة الالم وفيها. سميرا ميس وفيها كليوباترا وهيلانا.
الحلقة الثالثة: فيها مطر وبرد يسقط فوق المعذبين الذين ارتكبوا خطيئة
الشر و النهم. الحلقة الرابعة: فيها جماعة البخلاء الى اليسار وجماعة
المسرفين الى اليمين . في اتجاهين مختلفين يدفعون بصدورهم اثقالا من الصخر
ثم يتراجعون باثقالهم الى موضع التقائهم. الحلقة الخامسة : فيها مستنقع
يسميه مستنقع ( استيكس ) ورأى فيه دانتي من سادهم في الدنيا سرعة الغضب
وهم يتضاربون ويمزقون بعضهم بعضا باسنانهم وتحتهم الكسالى الذين يرسلون
فقاقيع الهواء الى سطح الماء. الحلقة السادسة: فيها قبور المعذبين من
الهراطقة وقد وضعوا في توابيت توهجت بألسنة اللهب وهم يرسلون صرخات الالم.
الحلقة السابعة: وفيها القتلة وقطاع الطرق ومن يحرقون انفسهم من الحياة
وهناك ايضا من يرتكبون ايضا خطيئة الخيانة مثل المنافقين والمتملقين
والمزيفين والمرتشين. وهو يضع من ارتكب خطيئة الانتحار في الدائرة الثانية
حيث تتحول ارواحهم الى اشجار تنوح وتسيل دوما عندما تقطع اغصانها.
الثامنة: فيها جماعة المرابين الذين ارتكبوا العنف ضد الطبيعة وقد حمل كل
منهم كيس نقوده وفيها وديان وخنادق وصخور يتوزع عليها الخونة وفق طوائفهم.
في الخندق الأول مثلا يوجد القوادون وهناك من اغرى النساء لملذاتهم
الشخصية وهناك العاهرات. وفي الوادي الثالث يوجد من حصل على الاشياء
المقدسة بالمال دون التقوى . وفي الوادي الرابع السحرة والعرافون
والمنجمون. في الوادي الخامس: المرتشون الذين استغلوا سلطةوظائفهم ليجمعوا
الماء وهم يغطسون في القطران المغلي . في الوادي السادس: يوجد المنافقون.‏

يا نهار ابيض ده دانتى ده موسوعة كبيرة
و ايه كم المتناقضات اللى كان عايش فيها دى

الموضوع جميل و اكتر من رائع
يحمل فى طياته معلومات و ثقافة و اسلوب بليغ

انا استفدت كتير بجد

بس تصور يا محمد برده ان كان عصر من العصور الكنيسة الغربية كانت بتقوم بتحريم ممارسة مهنة الطب لانهم كانوا بيعتقدو ان المرض ده عقاب من عند الرب و ان الرب هو اللى يشفى بس لا تدخل فى العلاج من قبل البشر

بجد التوبيك اكتر من رائع
تسلم ايدك يا محمد

تسلم يا اتش

نورت

شكرا جدا على المعلومات والتوبيك الرائع

تسملي يا سوزي

دمت بود

شكرا ليبي
معلومات رائعه
تسلم ايدك

مرسي يا ليبي نورتي الموضوع